الاستثمار الزراعي في مملكة البحرين بين الأمس واليوم
يعتبر الاستثمار الزراعي المحرك الرئيسي للتنمية الزراعية، إذ أن رفع حجم وكفاءة الاستثمار الزراعي من شأنه أن يؤدي إلى تنمية وزيادة الإنتاج في الأنشطة والمجالات الزراعية المختلفة، الأمر الذي ينعكس إيجابا على تحقيق أهداف الأمن الغذائي ورفع كفاءة استغلال الموارد الزراعية. لقد كان للقطاع الزراعي نصيب وافر من الاستثمارات خلال فترة الثمانينات وقد تمثل ذلك في تبنى الدولة لخطة تطوير القطاع الزراعي التي تم إدراجها من ضمن البرنامج الرباعي للتنمية الاقتصادية والاجتماعية. وقد جاء من ضمن أهداف هذا البرنامج السعي لتكثيف الإنتاج الزراعي والحيواني من أجل تحقيق قدر معقول من الاكتفاء الذاتي من المنتجات الزراعية المحلية وتحقيق قدر مناسب من الأمن الغذائي. ومن أجل تحقيق هذا الهدف فقد أدرج البرنامج ضمن مخصصاته الاستثمارية مبلغ 30 مليون دينار من أجل تطوير القطاع الزراعي وتنميته. وشملت خطة تطوير القطاع الزراعي الكثير من المشاريع والبرامج والتي كان على رأسها مشروع الاستفادة من مياه الصرف الصحي المعالجة في الري الزراعي ومشروع هورة عالي للتنمية الزراعية ومشروعات أخرى في مجال البنية التحتية إضافة لتطوير الخدمات الزراعية واستحداث برنامج للتسليف الزراعي.
كما تبنّت الدولة من خلال برنامج الدعم والحوافز الزراعية مسئولية توفير مدخلات الإنتاج الأساسية للقطاع الزراعي، وذلك من أجل تمكين المزارعين من الحصول على هذه المستلزمات بأسعار مدعومة، بالإضافة لضمان وصولها في الوقت المناسب وبالمواصفات التي تتلاءم مع ظروف الإنتاج المحلي.
ولقد تنوعت برامج الدعم حيث شملت مجالات جديدة في طرق الإنتاج وترشيد استخدام الموارد الزراعية، وخفض التكاليف. وقد شمل ذلك توفير الأسمدة الكيماوية والبذور المحسنة، ومستلزمات الري الحديث، ومستلزمات الزراعة المحمية وتركيبها، والأدوية البيطرية والمبيدات الحشرية. وكل هذه المستلزمات يتم توفيرها وبيعها للمزارعين بنسب دعم قد يصل في بعضها إلى 80 في المئة.
كما ركزت الخطة على أهمية التصنيع الزراعي كوسيلة لتسويق المنتجات الزراعية الفائضة عند المزارعين، فتم تشجيع القطاع الخاص للاستثمار في مشاريع الإنتاج والتصنيع الزراعي، وقد تكلل ذلك في قيام مشروعات ساهمت فيها الدولة مع القطاع الخاص في مجالات تصنيع الألبان والتمور وإنتاج وتسويق البيض ولحوم الدواجن.
لقد ساهمت مشاريع وبرامج خطة تطوير القطاع الزراعي مساهمة فعالة في تطوير القطاع الزراعي وتنميته. فقد شهد قطاع صغار المزارعين نقلة نوعية خلال تلك الفترة حيث ساهمت برامج الدعم في تطوير التقنيات الزراعية الحديثة، ففي مجال استخدام وسائل الري الحديث زادت مساحة الخضروات التي تستخدم هذا النظام من 20 دونما في العام 1982 إلى نحو 5000 دونم في العام 1995م. وقد أقبل المزارعون على تبني هذا النظام لما لمسوه من نتائج إيجابية، من أهمها توفير مياه الري وتقليل العمالة الزراعية وترشيد استخدام الأسمدة الكيماوية وتحسين إنتاجية المحاصيل. أما في مجال تشجيع طرق الإنتاج الحديثة فقد أقبل المزارعون على استخدام البيوت البلاستيكية في الإنتاج، حيث ارتفع عدد هذه البيوت من لا شيء في العام 1980 إلى نحو 3000 بيت في العام 1995.
وفي مجال الإنتاج الزراعي فقد شهد تطورا ملحوظا، حيث حدثت زيادة مقدرة في معدل النمو السنوي لكل مجموعات السلع الزراعية المنتجة محليا. فقد بلغ معدل النمو السنوي للخضروات نحو 4 في المئة والأعلاف الخضراء 5 في المئة، والتمور 2 في المئة، والحليب 6 في المئة واللحوم الحمراء 4 في المئة سنويا خلال الفترة المذكورة.
منذ بداية التسعينات بدأت الدولة تدريجيا في إزالة الدعم عن الكثير من مستلزمات الإنتاج مثل الأسمدة والبذور ومواد الزراعة المحمية وغيرها، وتركت أمر توفير وبيع هذه المستلزمات للقطاع الخاص. وينحصر الدعم في الوقت الحالي في توفير ودعم القليل من مواد الري الحديث، ومركبات وقاية النبات والحيوان، وبعض الخدمات الزراعية.
لقد تراجعت الاستثمارات الموجهة للقطاع الزراعي منذ أواخر التسعينات وعلى وجه الخصوص استثمارات القطاع الخاص. وقد يعزى ذلك لبعض المحددات التي تواجه الاستثمار في القطاع الزراعي والتي من أهمها المحددات الطبيعية، والاقتصادية، والتشريعية. فقاعدة الموارد الزراعية في المملكة محدودة الإمكانات من حيث الكمية والنوعية وأنها غير مهيأة لإنتاج سلع زراعية متنوعة ذات مزايا نسبية في إنتاجها. كما أن النظام التسويقي للمنتجات الزراعية المحلية، يفتقر إلى الخدمات التسويقية (تدريج، تعبئة، تغليف، تخزين... إلخ) أو يعاني من نقصها وعدم كفايتها مما يؤدي إلى انخفاض كفاءتها وبالتالي ارتفاع التكاليف التسويقية وزيادة نسبة الفاقد والتلف. وينتج عن كل ذلك خفض القدرات التنافسية للمنتجات المحلية من حيث السعر والجودة، خاصة في ظل الانفتاح الاقتصادي والتجاري السائد، وما تشهده المملكة من ارتفاع متواصل في الواردات الزراعية المثيلة من الدول التي يتميز إنتاجها الزراعي بانخفاض التكلفة، والدعم الزراعي واستخدام التقنيات الزراعية الحديثة. أضف إلى كل ذلك غياب التشريعات الخاصة بحماية الإنتاج المحلي، والتحفظ في تطبيق القوانين المتعلقة بالإغراق، بالإضافة للقوانين المتعلقة باستخدامات الأراضي، وتنظيم العلاقة بين المالك والمستأجر.
إن القطاع الزراعي في المملكة يحتاج دون غيره من القطاعات إلي بيئة استثمارية خاصة تشجع على الاستثمار وتؤدي إلى تخفيض درجة المخاطر التي يتعرض لها المستثمر في هذا القطاع. وتتطلب السياسة المستقبلية للنهوض بالقطاع الزراعي العمل على زيادة حجم الاستثمار الحكومي وخاصة في مجالات توفير البنية الأساسية لمجالات الري والصرف، والبحوث الزراعية ونقل التقانة، وتأهيل الكوادر الزراعية ورفع كفاءة الخدمات الزراعية الأساسية. وبما أن القطاع الزراعي يعاني في الوقت الحاضر قصور واضح في استخدام مدخلات الإنتاج والتقنيات الزراعية الحديثة، بسبب ارتفاع التكلفة، مما نتج عنه تدهور في إنتاجية المحاصيل وتدني مقدرتها التنافسية، فقد يتطلب ذلك إعادة النظر في سياسة الدعم وعلى وجه الخصوص دعم المستلزمات التي تساهم في رفع إنتاجية المحاصيل وترشيد استخدام الموارد الزراعية.
وعلى رغم المحددات التي تواجه الاستثمار في القطاع الزراعي فهناك العديد من المجالات الإنتاجية والخدمية الزراعية الواعدة التي يمكن للقطاع الخاص أن يتبناها على وجه الخصوص :المزارع المغلقة لتربية الدواجن وإنتاج الأمهات، العيادات والصيدليات البيطرية، الزراعة النسيجية والزراعة العضوية والزراعة بدون تربة، إنتاج زهور القطف ومشاتل إنتاج شتلات الزينة، تصنيع الأعلاف الحيوانية المركزة وإنتاج الأسمدة العضوية واللقاحات البيطرية، تصنيع وتعبئة التمور وتخليل وتعليب المنتجات الزراعية، وتصنيع مواد تعبئة المنتجات الزراعية وعلى وجه الخصوص الخضروات والتمور والألبان
عبدالله البشير
الوسط :العدد : 2641 | الأحد 29 نوفمبر 2009م الموافق 12 ذي الحجة 1430 هـ